من وحي الطريق..

لو كنت أعلم وقتها أنه وذات يوم سيتقلص ذاك الطريق الطويل الذي اشتكيت منه لما اشتكيت! ١| الصبي الذي أذاقني حلاوة الشقاء.. - تضمُّ الحافلات ومواقفها الكثير والكثير من الامور المُدهشة التي تجعل الابتسامة لا تُفارق شفتيك طوال الطريق، وواحدة من أجمل هذه المواقف وهو ما أذكره جيداً بأدق تفاصيله من القميص المُهترئ الذي كساه الغبار وحتى هبوط مُرتَدِيه في محطته المنشودة بشدّة. كان طفلاً صغيراً، خفيفاً ذو ابتسامة ماكرة وطفولية في الوقت ذاته، كان الفقر جلياً عليه، ولكنه لم يُعِر ذلك اهتماماً أبداً حيث فاجأني كيف انه أوقف الحافلة ثم بكل عفوية ذاك العمر سأل "الكمساري " قائلاً : " يا عمك ما عندي قروش ممكن أركب ؟! " فوافق على مضض تحت نظرات الجميع ودعاه للركوب، وما إن سمح له حتى جلب معه خمسة أطفال آخرين ليصعدوا الحافلة وابتهاجهم لا يكاد يتسع داخل أعينهم الصغيرة تلك وكأنما ظفروا بقطعة خبز شهية بعد جوعٍ طويل وهو ما جعلني أسرح بأفكاري التي أخذتني لموقف سابق أصررت فيه قائلة " أن الشقاء والعناء الشديدين إنما خُلقا ليجعلا لهذه الحياة طعماً حُلواً ونحن الجائعون على الدوام نأبى أحي...