المشاركات

عرض المشاركات من أبريل, 2025

من وحي الطريق..

صورة
  لو كنت أعلم وقتها أنه وذات يوم سيتقلص  ذاك الطريق الطويل الذي اشتكيت منه لما اشتكيت!  ١| الصبي الذي أذاقني حلاوة الشقاء.. - تضمُّ الحافلات ومواقفها الكثير والكثير من الامور المُدهشة التي تجعل الابتسامة لا تُفارق شفتيك طوال الطريق، وواحدة من أجمل هذه المواقف وهو ما أذكره جيداً بأدق تفاصيله من القميص المُهترئ الذي كساه الغبار وحتى هبوط مُرتَدِيه في محطته المنشودة بشدّة. كان طفلاً صغيراً، خفيفاً ذو ابتسامة ماكرة وطفولية في الوقت ذاته، كان الفقر جلياً عليه، ولكنه لم يُعِر ذلك اهتماماً أبداً حيث فاجأني كيف انه أوقف الحافلة ثم بكل عفوية ذاك العمر سأل "الكمساري " قائلاً : " يا عمك ما عندي قروش ممكن أركب ؟! "  فوافق على مضض تحت نظرات الجميع ودعاه للركوب، وما إن سمح له حتى جلب معه خمسة أطفال آخرين ليصعدوا الحافلة وابتهاجهم لا يكاد يتسع داخل أعينهم الصغيرة تلك وكأنما ظفروا بقطعة خبز شهية بعد جوعٍ طويل وهو ما جعلني أسرح بأفكاري التي أخذتني لموقف سابق أصررت فيه قائلة " أن الشقاء والعناء الشديدين إنما خُلقا ليجعلا لهذه الحياة طعماً حُلواً ونحن الجائعون على الدوام نأبى أحي...

مـَغزى الـفن.

صورة
  ”ليس على الفن أن يكون جميلاً، بل عليه أن يجعلك تشعر بشيء“ - اقتباس من اقتباس لبوكوفسكي . ....  كانت عبارة مقتبسة إثر حوار جميل عُقِد مع صديق ذو عقل خارج النمطية السائدة للمجتمع الذي نعيش فيه. وانعقد الحوار إثر خاطرة عفوية عن الفن وفكرة أن الفن في الأساس موجود داخل الكيان البشري بصورة أو بأخرى، منذ نشأته الأولى وحتى نهايته. يمر الإنسان بتفاصيل كثيرة تدهشه تستثير عقله، وتشعره بالألفة وكأن ما يراه يعبر عنه بطريقة غير مباشرة، وكأن الفكرة قد قفزت من نقطة خافتة في عقله إلى الواقع على هيئة فن أياً كانت لوحة، مقطع موسيقي، تفاعل إنساني آخر، قصيدة أو كلمة، صورة، أو قصة لا دخل له بأي طرف فيها. ثم يجلس صامتاً منزوياً وأفكاره في لحظة من لحظات صفوه، منقطعاً عن ضجيج العالم بصورة لا إرادية، مُفكراً : كيف يُعقل أن تتشكل اللوحة كاملة من مجرد خيوط مبعثرة لا رابط بينها في عقلي، ثم لمجرد شيء لمحته بعيني أو سمعته بأذني، اتصلت وانحنيت وتلونت وشكلت لوحة بديعة كالتي أفكر فيها الآن؟! قال لي الصديق في عبارة لا أنساها ما حييت : "الإنسان عظيم ياخ، لأنه الفن جزء منه، ما كأنه حاجة اخترعها، هو قطعة من كونه...

من رفع سقف دهشتك ؟

صورة
  - صوت خربشات صغيرة على الباب في ليلة شتوية قارصة  صدرت من ذاك المخلوق العجوز والصغير الذي أحضره لنا والدي ذات مرة ، وقد أخبرنا وهو يحملها بفخر أنها تُدعى سلحفاة وهذه - ثم أشار للشئ الملتف حول ظهرها وبطنها - صدفتها حيث تختبئ عند إحساسها بالخطر ، ويا لإعجابنا بهذا الكائن الوقور والممل أيضاً حيث أقتصرت حركاته على الاختباء والخربشة . ثم تحولت دهشتنا وإنصب اهتمامنا في وقت لاحق حول مخلوق آخر صغير ولكن كم جعلته أشواكه الحادة والمنتصبة كبيراً ومخيفاً بشكل ما ، وما كنا لنرى هذه الأشواك البنية لولا إصرارنا الملح على والدي لإخراجه من الصندوق الكرتوني ولو لم تحتسب مراقبة عن كثب بل من بعد متر ولكننا كنا مذهولين بصورة تفوق عقولنا الصغيرة آنذاك ومسرورين للغاية ونحن نفكر في حزن ذاك المخلوق الصغير الذي يدعى قنفذ لتكون كومة الأشواك هذه أبوه فقد أخبرنا والدي أنه يدعى (أبو القنفد ) وكم كان أمراً مضحكاً تذكر كم كانت عقولنا سخيفة وقتها . ثم بشكل مسرحي ومتقد للغاية جلسنا جميعاً على الأرض ونحن نراقب بسعادة هذا الصندوق العجيب الذي يصدر منه ضوء طويل ومتراقص وملوّن والذي تحول بصورة سحرية إلى فيلم كرتو...

البـداية...

صورة
  خلال ظهيرة اليوم تذكرتُ فجأة الأحداث التي جرت قبل خمس سنوات من الآن، في أيام الثانوية التي بدأت ذكرياتي عنها تشحبُ بعض الشئ، تذكرتُ ذكرى جميلة للغاية، هلعت في البداية لعجزي عن تذكر إسم تلك الرفيقة الفريدة من نوعها، وبِتُ اتسائل بحزن ماهو إسمها ، ماذا كان، ثم تذكرته أخيراً . - كانت آية، آية محمد .. هنا كانت أول بداياتي مع الحروف والكلمات، كانت أول رحلة لي مع أشرعة الكتب والصفحات، على متنِ كتاب النظرات وصاحبها المنفلوطي ؛ أخذتني آية الى ذاك المكان حيث يصمت العالم وتدور عجلة الكلمات . كانت آية إنسانة لطيفة للغاية، المثقفة الاولى التي تعرفتُ عليها، كانت طموحة ويملؤها الشغف، عندما تتحدث يتسع بؤبؤ عينيها وترتسم كذلك ابتسامتها على اتساعها، عرّفتنا على الكثير مما كنا نجهله نحنُ وسائق الحافلة التي كانت تقِلّنا وقتها، كانت شاعرية للغاية وعطوفة تكتبُ برقة جملاً وعبارات جميلة على دفترها الذي نسيت لونه الا انه كان مميزاً أيضاً مثلها. تكتب باللغتين العربية والانجليزية وخاصة الاخيرة، كانت هاوية لها تتقنها عن ظهر قلب، وتمارسها متى ما أُتيحت لها الفرصة . ثم إنّ لها صوت جميل ذو خامة نادرة عندما تت...

الـرِفاق...

صورة
سألني أحدهم يوماً ما سؤالاً غريباً، إذ كان يستفسر عن سبب تسميتي للكثيرين بالرفاق حتى وإن لم تدم مرافقتي لهم اكثر من يومين!! فأجبته على عجل لتوضيح الأمر ظناً مني أنه ربما يعتقدني ممن تستهوي صحبة كل من مر وعبر، حيث أنني لا أطلق هذا المسمى اعتماداً على الزمن أو هيئة المُلازمة وإنما على الأثر، وأنا يا رفيق لستُ ممن يستهين بمدى الأثر البالغ للآخرين فيّ، وما يجعل هذا الأثر طويل وباقٍ في ذاكرتي - للدرجة التي يستحق بسببها أن أُطلق على صاحبها " رفيق" - هو الكلمات، لا أقصد المنطوقة ولا أقصد كلماتهم المكتوبة كذلك، إنما مقصدي من ذلك هو ما كتبته أنا عنهم، فالبنسبة لي مقياس عمق أثرك وآرائك فيّ تكمن في إمكانية تضميني إياك كنص يظل حاضراً في عقلي للأبد . وليس السبب في ذلك هو صعوبة الكتابة عن الآخرين أو ترفعي عن ذلك وإنما لأنني لا أكتب دون أن تحركني قريحتي وإن كنت كافياً لتحريك القريحة الأدبية فأنت لا محالة رفيق سيظل ملازماً لي للابد لان بقاء النصوص المكتوبة أطول وأعمق أثراً من بقاء الاشخاص نفسهم.. ويا لكم النصوص التي كتبتها بسبب رفاق بعيدون تماماً عن كونهم ملازمين لي طوال الوقت أو تربطني بهم ...

مواعيد الأسنان المُؤلِمة أو المُلهِمة...

صورة
 كنتُ في موعد مع طبيبة الأسنان، وفي خضم أمر مؤلم للغاية كانت تقوم به تجاه العصب المغذي لاضراسي، جائتني فكرة خففت عني الألم قليلاً، ربما تكون الفكرة أو ربما لان الطبيبة توقفت عندما لاحظت تعابير وجهي .. وهو بالتحديد ما خطر ببالي وقتها، تعابير الوجه، كم أنه أمر دقيق أن يتواجد الفم هنا في وجوهنا بالقرب من العينان والحاجبان وكل تلك ال facial expression mucsles، فمن السهل أن تلفت طبيبك إلى إحساسك بالألم وهو يعمل على مكان آخر في جسدك، فقط بصرخة أو تأوه بسيط، سيصله بسرعة إحساسك الشديد بالألم دون الحاجة لملاحظة تعابير وجهك، ولكن الأمر مختلف تماماً مع فمك وكل ما فيه ، فكيف يمكن إرسال صرخة صغيرة وكف الطبيب كاملة داخل فمك ولسانك محشور حشراً نحو الحنجرة ساداً مجرى الهواء بذلك، لا توجد طريقة غير الاستعانة بنظر الطبيب بدلاً عن سمعه، وإستخدام إشارات في مرمى نظره تماماً، فوُضِع الفم بعناية قرب العينين لتُغمضهما بشدة بدلاً من أن تتأوه، وقرب الحاجبان لتهزهما بتواتر بدلاً عن تحريك لسانك، وكل العضلات في وجهك التي تصرخ صامتة بأن تباً لمواعيد الأسنان ، وهو ما وجدتني أقوم به لطبيبتي وقتها ... وهو ما أذهلن...

قـَريحة الادب.

صورة
في ذات يوم لا أذكره تماماً، لا أذكر إن كان خريفاً أم شتاءً، ولكن ما جعله محفوظاً في عقلي بثبات هو نشوء مبرر وتفسير أخيراً لما يُحرك رغبة الكتابة فيني.. ولم يكن بشيءٍ عظيم أو شخصٍ ما، وإنما تَلخص الامر كله عند سماعي لكلمة " قريحة " لأول مرة ضمن حوار لطيف مع صديقة لطيفة من المثقفين القلة الذين عاصرتهم في ذاك الوقت البعيد، ويا للعجب الذي أصابني حينها إثر سماعي لتلك الكلمة الجديدة في قاموس كلماتي البسيط، إذ ظللتُ أرددها على مسمعي وقمت بتدوينها حين عودتي من المدرسة فقد كانت كلمة صعبة ومعقدة وجديدة والاهم من ذلك كله فضفاضة فعندما بحثتُ عن من معناها وأصلها وجدته فضفاضاً وجميلاً للغاية حيث أنها تعني أول الشيء وباكورته، طبيعة جُبِل عليها الانسان من ابتداع الكلام وإبداء الرأي! وكم كان ذاك المعنى مطابقاً بحق لذاك الشيء الذي يحثني على الكتابة، وكأنه أمر جُبلت عليه وأرضعتني له الحياة، ولا يظهر رأيي واضحاً وقوياً الا عن طريق الكلمات والادب. ودائماً ما جعلتي قريحتي مني شخصاً تواقاً للكلِم تدفعه دهشته عن قراءة ما يكتب لان يكتب، ليس لان الكتابة هي طريقة للتعبير والبوح فحسب ولكن لاننا حين نود ...