الـرِفاق...
سألني أحدهم يوماً ما سؤالاً غريباً، إذ كان يستفسر عن سبب تسميتي للكثيرين بالرفاق حتى وإن لم تدم مرافقتي لهم اكثر من يومين!!
فأجبته على عجل لتوضيح الأمر ظناً مني أنه ربما يعتقدني ممن تستهوي صحبة كل من مر وعبر، حيث أنني لا أطلق هذا المسمى اعتماداً على الزمن أو هيئة المُلازمة وإنما على الأثر، وأنا يا رفيق لستُ ممن يستهين بمدى الأثر البالغ للآخرين فيّ، وما يجعل هذا الأثر طويل وباقٍ في ذاكرتي - للدرجة التي يستحق بسببها أن أُطلق على صاحبها " رفيق" - هو الكلمات، لا أقصد المنطوقة ولا أقصد كلماتهم المكتوبة كذلك، إنما مقصدي من ذلك هو ما كتبته أنا عنهم، فالبنسبة لي مقياس عمق أثرك وآرائك فيّ تكمن في إمكانية تضميني إياك كنص يظل حاضراً في عقلي للأبد . وليس السبب في ذلك هو صعوبة الكتابة عن الآخرين أو ترفعي عن ذلك وإنما لأنني لا أكتب دون أن تحركني قريحتي وإن كنت كافياً لتحريك القريحة الأدبية فأنت لا محالة رفيق سيظل ملازماً لي للابد لان بقاء النصوص المكتوبة أطول وأعمق أثراً من بقاء الاشخاص نفسهم..
ويا لكم النصوص التي كتبتها بسبب رفاق بعيدون تماماً عن كونهم ملازمين لي طوال الوقت أو تربطني بهم علاقة عميقة كفاية لأطلق عليهم ذلك، ولكن لكل منهم أثر عميق بداخلي أكاد أجزم أنهم نسوا اللحظة التي تركوا فيها هذا الاثر فيّ أو ربما لم يصنفوها كلحظة مهمة حتى أو ربما لم يعودوا يتبادر لأذهانهم عني سوى الاسم، وبسبب ذلك كله وكما فعلت في تدوينتي الاولى قريحة الأدب قررتُ إنشاء سلسلة نصوص يعود فضل كل نص فيها لاولئك الرفاق ربما أذكر أسماءً وربما لا أفعل وربما ينال البعض أكثر من نص.. لعل بعضهم يمر عليها فيذكرون أنفسهم خلال فترة ما من الزمان الماضِ، لعلهم يلمحون قيمة أفكارهم أو مجرد تواجدهم، ولعلي بذلك أرد بعضاً من الدين الذي جعل مني ما أنا عليه اليوم، إذ أنني لستُ ممن يظن أن شخصياتنا هي نتاج جهودنا المحضة وإنما لكل من مرّ علينا لمحة خفية متضمنة داخل ملامح شخصياتنا حتى وإن مروا عابرين حتى وإن مروا كمجرد مشهد مؤقت في يومنا السريع، ولذلك دائما ما أجدني منتبهة وملاحظة ومحللة لكل من مر علي إذ ربما لا يكون مجرد مار بل يكون رفيقاً.
جميلٌ هو ذلك التقدير لكل صاحب أثرٍ وتارك بصمةٍ أصحاب السمات والمعاني، ولكن أليس في هذا التعريف للرفقة إستثناءً لبقية الملازمين أو حتى الأصدقاء لأنهم لم يحركوا تلك القريحة فلم يرقوا لذلك المعنى.
ردحذفشكراً للسؤال الجميل !
حذفلم أبتغي من قيامي بذلك صريح الاستثناء وإنما أردت بتخصيصي للفئة المذكورة الرد على إستهجان السائل في اول النص عن إطلاق كلمة رفيق لكل شخص حتى وإن لم يكن ملازماً لي، في حين أن تسمية كثير ممن لازمني برفيق لهو أمرٌ حتمي لا محالة وأجدني عاجزة عن عدّ المرات التي حركوا فيها قريحتي ليُخلّد بعضها بالكتابة ويظل الآخر حبيساً للذاكرة لا لنقص قدرهم وإنما لعجزي الشديد عن وصفهم وتحريرهم كتابةً .