مـَغزى الـفن.

”ليس على الفن أن يكون جميلاً، بل عليه أن يجعلك تشعر بشيء“
- اقتباس من اقتباس لبوكوفسكي.
....
كانت عبارة مقتبسة إثر حوار جميل عُقِد مع صديق ذو عقل خارج النمطية السائدة للمجتمع الذي نعيش فيه. وانعقد الحوار إثر خاطرة عفوية عن الفن وفكرة أن الفن في الأساس موجود داخل الكيان البشري بصورة أو بأخرى، منذ نشأته الأولى وحتى نهايته. يمر الإنسان بتفاصيل كثيرة تدهشه تستثير عقله، وتشعره بالألفة وكأن ما يراه يعبر عنه بطريقة غير مباشرة، وكأن الفكرة قد قفزت من نقطة خافتة في عقله إلى الواقع على هيئة فن أياً كانت لوحة، مقطع موسيقي، تفاعل إنساني آخر، قصيدة أو كلمة، صورة، أو قصة لا دخل له بأي طرف فيها. ثم يجلس صامتاً منزوياً وأفكاره في لحظة من لحظات صفوه، منقطعاً عن ضجيج العالم بصورة لا إرادية، مُفكراً : كيف يُعقل أن تتشكل اللوحة كاملة من مجرد خيوط مبعثرة لا رابط بينها في عقلي، ثم لمجرد شيء لمحته بعيني أو سمعته بأذني، اتصلت وانحنيت وتلونت وشكلت لوحة بديعة كالتي أفكر فيها الآن؟!
قال لي الصديق في عبارة لا أنساها ما حييت :
"الإنسان عظيم ياخ، لأنه الفن جزء منه، ما كأنه حاجة اخترعها، هو قطعة من كونه إنسان!"
كيف لا يكون جزء منه وقد شكله إنسان ونسخه آخر وأحس به آخر وأدركه آخرون وأدهش آخر وربط أفكار آخر؟ إذ لطالما كانت الأعمال الفنية دليلٌ قاطع على وجود الإنسان على مر العصور، فتلك منحوتة اشتملت على بصمات إنسان أراد من خلالها أن يعكس انفعالات إنسان آخر، وتلك لوحة تشكيلية قديمة تعكس بوضوح تعقيدات عقل إنسان في زمان ومكان ما لتُماثل بطريقة عجيبة ما يعتلِجُ في وجدان إنسان عصر آخر بعيد تماماً عن الأول، وتتعدد الأمثلة بتعدد أنواع الفنون ومجالاتها .
وحقاً ليس عليه أن يكون جميلاً، بل عليه أن يجعلك تشعر بشيء ما، بشيء محفوظ بداخلك، غير مترجم مشوش وغير واضح، شيء محبب لعقلك وخيالاتك، بأشياء موجودة كنكرات سابقة لا تعريف لها، ليكون الفن بمثابة "ال" التعريف لها أو بمثابة إضافة جعلتها مُعرّفة ومعروفة ومألوفة للعقل البشري بداخل كل منا . هكذا هو الفن بجميع تخبطاته وتعقيداته أو وضوحه وبساطته، يجعلك تشعر بشيء ما.
- تعقيب :
نص قديم آخر ومميز للغاية كُتب إثر حوار جميل مع رفيق ربما يمر على النص فيدرك أنه صاحب الفكرة وربما لا يمرُ أبداً، ولمّا شرعتُ في البحث عن صورة أو عمل فني يصفُ الفكرة والمضمون لم أجد أبلغ من Van gough لأخذه كأيقونة للتعبير عن مغزى الفن وهو القائل - كما في الصورة المدرجة في أول التدوينة - أنه يملك الفن والطبيعة والادب وإن لم يكن ذلك كافياً فما الكافِ؟ ولكن الصورة في الاعلى ليست المختارة للتعبير عن النص وإنما للاشارة الى فان جوخ وعكس طريقه تفكيره كفنان بالفطرة وكإنسان قبل ذلك، أما الصورة التي اخترتها لتُعبر عن الفكرة فهي إقتباس أيضاً يُدلي فيه - عالم الفلك الامريكي ومدير قبة هايدن السماوية- نيل تايسون عن رأيه في أعمال فان جوخ بتفكير رائع للغاية حريُ أن يكون لشخص قد راقب الفلك والفضاء حد الامتلاء وللدرجة التي تجعله يُدرك ما معنى أن يتم عرض شئ ما على نحو فني كما أسرد في اقتباسه كما في الصورة..
وما لم ينكره تايسون هو قدرتنا جميعاً على التعبير بطريقة مكافئة لحقيقة امتلاكنا للإدراك وللحس، فالكون هو نفس الكون وجميعنا تحت نفس السماء ولكن إدراك وحس كل منا يختلف عن الشخص المجاور له في الغرفة وهو ما يجعل لأحاديثنا اليومية معنى ومتعة وما يجعل معارضنا تزخر بالاعمال وما يجعل مكتباتنا تفيض بالكتب وما يجعل أرصفتنا تمتلئ بالمقاهي والمحلات وما يجعل لكل منا عدداً ليس بالبسيط من العلاقات وما يجعل مسارحنا مليئة بالاعمال ومجالس العلم مليئة بالعلماء وتتعدد الامثلة… كذلك هو الفن ليس عليه أن يكون جميلاً ولكن عليه أن يجعلك تشعر، فقبل الفن إدراك يلحقه إلحاح التعبير وإثبات الاختلاف ليُختتم بتحريك شعور مخفي داخل المتلقي إذ ربما لو لم يتأخر زمانه لكان صاحب الفكرة نفسها وربما يبصرها من زواية اخرى كانت عصية على الآخرين قبله فيطورها لتُضحي لوحة أكبر وهكذا تستمر السلسلة إلى أن تكتمل اللوحة..
ما شاء الله تبارك الرحمن استمرييي 💯💯💯✨️
ردحذف❤️❤️❤️
حذف