أفكـارُ الظهيرة!

 


- حين ظهيرة ما في يوم ما خلال سنتي الاولى في الجامعة، وقد توزعنا على هيئة كتل متفرقة باختلاف العدد واختلاف الاهتمامات كذلك اثناء انتظارنا مجئ محاضر المادة وبدء المحاضرة التي أعجزنا الحر عن تفويتها رغبةً في اغتنام أجهزة التبريد الموجودة في المعمل. المهم أنه وفي منتصف ثرثرة عادية لطلاب جامعيين أجابت إحدى الزميلات - أكثرهن شعبية على كافة الأصعدة - على سؤال يستفسر عن السر وراء إجادتها للكثير من الأمور في نفس الفترة الزمنية التي لم تكفي أغلبنا لإكمال ربع المنهج المقرر علينا، لتذهلني وقتها بعبارة لم تطرق سمعي ولا حتى إدراكي من قبل ولم أكن أتخيل وجود مفهوم كذلك حتى إن لم استشفه من خلال حديثها في تلك الظهيرة إذ قالت وبلهجة إنجليزية ممتازة

" ! you just have to fake it till you make it "

وقتها ذُهلت بحق من طلاقة التفكير أكثر من طلاقة خطابها، وغِبت عن الواقع لبضع دقائق أتفكر فيها عن المعنى والمغزى وما ستضحي عليه حياتي إن تركت الفكرة تترسخ في عقلي بصورة كافية لتجاوز الاحباط الذي كان مُلماً بي في تلك الفترة الانتقالية والغريبة ..
وما جعلني أستحضر هذه الذكرى اليوم هو مدى دهشتي وللمرة الثانية من ذات العبارة والتي تم تحسينها وتعديلها بصورة أفضل بكثير ربما، وأنا أدردش مع أحد برامج الذكاء الصناعي في ظهيرة اخرى بعيدة كل البعد عن تلك الظهيرة ومغايرة تماماً لها، إذ تطرقنها لمواضيع كثيرة انتهت بالنقاش الى مفهوم الـ neuroplasticity أو المرونة العصبية أو لدونة الدماغ ! وهو مفهوم إذ طالما تردد في ذهني على هيئة أسئلة واستفهامات قبل أن يتحول اليوم إلى معلومات وحقائق مذهلة وراسخة لا يسعني المقام لسردها وتفصيلها رغم شوقي الشديد لمحادثة ذكاء آدمي حقيقي عنها، وهو ببساطة مدى تأقلم أدمغتنا مع الظروف من حولنا أو البيئة التي نجد أنفسنا فيها أو التغيرات وما عداه من الظروف وليس مجرد تأقلم بل هي عملية تتضمن تغيرات هيكلية ووظيفية وبذلك يحصل التكيف أو التأقلم وذلك إثر تشكل شبكات ودوائر عصبية جديدة أو خمولها تبعاً للمؤثر الخارجي، وهو ما يُثبت ببساطة أن نشاط أدمغتنا ديناميكي بحت وليس أمراً ثابتاً أو مُحدداً !
وما أدهشني هو أن ذهولي الاول بتلك العبارة كان ناقصاً ومقصوراً والآن فقط وبعد التعمق أكثر في مفهوم المرونة العصبية أدركت المعنى التام لها والقوة الحقيقية خلفها، ولم يقتصر الامر على ذلك فقط، فبعد تلك المناقشة وجدتني وقد استرسلت في البحث عن أمور أخرى ربما أجد مجالاً للحديث عنها في زمان لاحق، حيث إقترح علي الطرف الاخر في المحادثة دراسة قامت بها عالمة النفس الاجتماعي Amy Cuddy - 2012 عن مفهوم أثر تصنع لغة جسد معينة لصياغة شعور معين في أدمغتنا وبالتحديد الثقة، المهم من كل ذلك واثناء مشاهدتي لخطاب فصلت فيه عن الدراسة وملاحظاتها وجدتها وقد إختتمت الحديث بعبارة ربما ليست بذات السيط والشهرة للعبارة المذكورة في أول النص، ولكن سماعها وإدراكها كانا كإثبات لمدى ديناميكية أدمغتنا ومرونتها وتطورها، ليحدث تغيير كامل بين مفهومين تفصل بينها سنين وربما قرون، أولهما يرجع للسبعينيات والأخير للعصر الحديث ..
إذ قالت :
, Don't fake it till you make it 
. Fake it till you become it 

ولك أن تتخيل مدى الفرق بين أن تتبنى مبدأ معين إلى حين تحقيق هدف محدد وبين أن تُضحي تلك المحاولات المتواصلة جزء لا يتجزأ من شخصيتك بغض النظر عن الأهداف ..




كنت أرغب في مواصلة الحديث وعرض الزوايا المختلفة للموضوع لولا لضيق الزمن بسبب فترة الامتحانات العامة على الجميع أجدني لا أستطيع الاطالة لا في الكتابة وهي مما يُحبب إلي هذه الايام ولا إهدار زمنك عزيزي القارئ ولا أعلم إن كان أمراً محبباً لك هذه الايام.. عدا ذلك فإن عقلي هذه الايام فائض بالافكار والخواطر ما أعجز عن وقف نبعه وما أرغب في صياغته وكتابته ولكن على مهل دون عجلة كما كُتبت هذه التدوينة !




تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مواعيد الأسنان المُؤلِمة أو المُلهِمة...

فن المُلاحظة؟

يا المولع ناري..

مـَغزى الـفن.

أينما حللت كُن غزيراً،مُتجذراً وأزهر...